لذة العطاء بقلم الأستاذ أحمد عيسى

 لذة العطاء

بقلم/ أحمد عيسى

مَرَّ المعلم "ياسر" بمَقْصِف توزيع الوجبات المدرسية على التلاميذ، ولمس في أسى تكالب التلاميذ ومدافعتهم بعضهم بعضاً للحصول على هذه الوجبات الرمزية اليسيرة.

كما استشعر في وجوه الذين نجحوا في الوصول إلى نافذة التوزيع وحصلوا على الوجبة بالفعل فرحة غامرة، أشرقت معها أساريرهم البريئة مع ما انحدر على وَجْنَاتهم من حبات العرق.

وفي الفصل، أراد المعلم "ياسر" أن يبث في تلاميذه قيمة خُلقية جديدة تنبثق عن المشهد السابق الذي رآه أثناء الفسحة المدرسية أمام مَقْصِف المدرسة:

المعلم: ما أشد فرحتكم حين يصل أحدكم إلى وجبته بعد تزاحم ومشقة كنتم في غِنى عنهما لو أنكم اصطففتم في هدوء ونظام بصورة حضارية.

صادق: عفواً معلمنا.. اليوم نسيتُ طعامي في البيت، وكان لزاماً عليَّ أن أصل إلى وجبتي بهذه الطريقة التي شاهدتنا عليها.

سالم: أستاذنا، إن لم نزاحم ونسارع لتناول الوجبة، ربما نَفِدَتِ الكمية، أو انتهى وقت الفسحة المقرر لتوزيع الوجبة، أو صار أحدنا أُضحوكة للذين ظَفِروا بالوجبة من دوننا.

سلمى: أقترح أن تقوم إدارة المدرسة بحل مشكلة التوزيع بمظهره هذا غير اللائق، وأن تقوم بتوزيعها على الفصول بعدالة وهدوء وسلام.

المعلم: حسناً.. سأُوصل أصواتكم لإدارة المدرسة.. لكنا سنحاول معاً الآن الإفادة من مشهد الانكباب على الوجبة.. وأسألكم هل جرَّب أحد منكم لذَّة العطاء بعد أن مارس طويلاً لذة الأخذ والظفر والنوال؟

صادق: أذكر أنني استشعرت هذه اللذة مراتٍ حين دفع إليَّ أبي نقوداً لأتصدق بها على بعض الفقراء.. فكنتُ بعد أن أدسها في يد الفقير أرى في عينيه ابتهاجاً فينشرح صدري، ويسعد قلبي، وتتألق روحي ونفسي.

سالم: نعم.. لقد أحسستُ بهذه اللذة نفسها حين سألني زميلٌ جارٌ لي أن أشرح له درساً استغلق عليه فهمه، بعد أن تغيَّب لسفر طارئ عن الحصة التي شُرح فيها الدرس، وبعد أن أفهمتُ زميلي الدرس عُدتُ لمنزلي وقد تغشَّتني سعادة، وتملَّكتني فرحة وبهجة.

سلمى: أما أنا، فقد ذقتُ لذة هذا العطاء حين كنتُ عائدة ذات يوم من المدرسة إلى البيت، فإذا بي أجد كفيفاً يتعثر في الطريق، فسألته عن وُجهته فقال: "محطة المترو"، ولم تكن المحطة في طريقي، إلا أنني اصطحبته إليها فشكرني كثيراً.

ثم عُدتُ إلى البيت متأخرة قليلاً، ولم يستوقف أُسرتي تأخري بقدر ما راعهم منِّي فرحة جلَّلت وجهي، وانسكبت على مُحيايَّ، بعد أن أدفأتْ فؤادي وقلبي.

المعلم: يقول الله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران: 92].

التلاميذ: صدق الله العظيم!!

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انا بالسعد موعودة بقلم الاستاذة شرين ابو عميرة

فاض البيان من صبري بقلم الاستاذ/ة ميسرة عليوة

شاطئ الغرام بقلم الاستاذ أحمد أبو حميدة