الامتاع والمؤانسة بقلم الاستاذ علي حسن علي

 الإمتاع والمؤانسة

بقلم الشاعر والكاتب: علي حسن علي بوجرمين  

الحلقة الأولى:


كلما رأيت صورةً تحكي أجيالا قد غبروا وعن الدنيا عبروا أيقَظت فكري بعد سُباتِه و لمَّت عقلي بعد شَتاتِه و ربما أسكَبت تلك العبَراتِ من الجُحور طراوةً بعدما كانت معشعشة في الحشى كالصخور قساوةً. 

........


البحر هو البحر والأحجار والصخور لم تتبدل كثيرا ولكن العباد غير العباد فأغلب من كان هناك قد باد، حتى الهواء قد تغير نسيمه فأصبحنا لا نشعر بذلك الصقيع في عز الشتاء فلا الصيف صيفا ولا الهواء هواء.... ولا الربيع ربيعا ولا الشتاء شتاء... 


تربطني بهذه المدينة الجميلة ذكريات جميلة في ثانوية الجميلة!  


كنت فيها معلما لأدق علم وأنفعه،و لأسمى كلام وأرفعه! 

علم الكتاب و السنة عقيدة وفقها وأخلاقا و تجويدا. 


أحببتُ التدريس فأعطيته جوارحي بإخلاص، وأحبني التلاميذ رغم قسوتي عليهم أحيانا و رفعِ صوتي لبعضهم تأديبا وتحنانا... 


حينما تركتهم اضطرارا كانوا يأتونني فُرادَى وجماعاتٍ في حوانيتي مرارا ، فأحويهم بنصائح وتوجيهات ،على شكل سؤال وجواب كما عودتهم وكما هي الدنيا (خذ وهات )..


عودتهم أن يبنوا معي الأفكار والمعاني بابتكارها، وذلك بإعمال للعقل وطرح جموده وإعمار للقلب باستواء عوده.


 هو ربط الأسباب بمسبباتها و ضرب للأمثال مع تطبيقها. 


على الأستاذ أن يبتكر طرقا بديعة يبدأ بها درسه، يفتح بها عقول تلاميذه، وينمي شهيتهم لاستيعاب كل ما يسمعونه من معلمهم ويُمليه...يطلقون عليه بوضعية الانطلاق!!!!

وهو عند الأدباء يسمونه : براعة الاستهلال .


دخلت مرة إلى قسم السنة الأولى وكانت أول حصة معهم وبمجرد دخولي رَنّ هاتفي الذكي في غير وقته وموضعه وأذهب عني تلك الوضعية بالطلاق لا الانطلاق والتلاميذ مندهشون بين ضاحك وشارد كأنهم رأوا فوق رأسي فقاعة ملأت ببراعتها القاعة...! 

فمن براعة الاستهلال إلى براءة الاستغلال.... !


وإذ بي أستغل ذلك الموقف بابتسامة مشفق على نفسي قائلا:


" ما شكل هذا الهاتف الهندسي الذي ترونه ؟"


فقالوا جميعاً : " مستطيل"


فقلت لهم : من الآن فصاعدا لمن أراد الجواب عليه أن يرفع يده وهو جالس. 


فعم الهدوء قليلا ثم حدقت عيني متسائلا :" لو أن أحدا منا كان في صحراء قاحلة لا شجر فيها ولا ماء على شساعتها ثم وجد شكلا هندسيا بديعا ، هل يحكم بعدم وجود صانع له لمجرد أنه لا يرى ذلك الصانع ؟!"


فرفع كل التلاميذ أياديهم وأعطيت أحدهم الجواب :" لا ، لا نحكم بعدم وجود صانع له لأننا لا نراه بل نجزم بوجوده رغم أننا لا نراه وربما لن نراه أبدا "


فقلت لهم " وهذا هو جواب كل القسم ، أليس كذلك؟"

قالوا: نعم! 


فقلت : إذا أنتم تخالفونه! إذ كان جوابكم ب "نعم"

قالوا: بل نوافقه 


فقلت فيجب أن يكون جوابكم ب "بلى" إذا... 


ثم وضحت لهم الفرق بين الجواب ب "نعم" و الجواب ب "بلى".

وبعدها وجدت فيهم هدوءا وقبولا وسكينة. 

فقلت في نفسي : الآن يا علي... انطلق انطلق. 


ثم بدأت في تقليب هاتفي يميناً وشمالاً مُوجّها أعينَهم إليه و لساني يكلمهم :


نفرض أن هذا الشكل الهندسي ظهر فيه شاشة إرسال وعليه عدسة تصوير و يمكن أن تتصل به بمن تريد ، وله من التطبيقات ما يجعلك تستمتع به بحثا ولعبا....


ماذا يمكن الحكم على صانعه زيادة على العلم بوجوده ؟

إذا كان هذا الهاتف ذكيا فماذا يستلزم أن يكون صانعه؟


يجب أن يكون صانعه ذكيا بداهة لأن فاقد الشيء لا يعطيه! 

بل وعالما كذلك......زيدوني يا تلاميذ. 


و خبيرا يا أستاذ...

 نعم أحسنت! 


و حكيما.....

 و مصمما...... 

و قديرا كذلك...... 


ثم قاطعتهم بعدما أبدعوا وفتحوا عقولهم واسترسلوا في الإجابات إذ كل تلميذ بدأ يدلي دَلوَه ليظهرَ شأنَه وعُلُوّه.


كلنا يعلم أن صانع هذا الهاتف هو إنسان .

أليس كذلك ؟

فبعضهم أجاب ب "نعم" والبعض ب "بلى"...! دفعة واحدة. 


ثم علت على وجوههم الابتسامات وابتسمت ضاحكا من طرفة الموقف! 

ولكن شتان بين ابتسامتي الأولى الخجولة و ابتسامتي الآن وأنا مفعم بالنشوة والرجولة! .


إذا كان هذا الإنسان الذي استدللنا بهذا الهاتف على وجوده وفضائل صفاته ،فما بالك بصانع هذا الإنسان ومبدعه بل ما في السماوات والأرض من شيء إلا وهو مخلوق ومحدث من الله سبحانه وتعالى ، وهذا الإنسان فيه من دلائل قدرة الله وعظيم خلقه ما الله به عليم ، قال تعالى " وفي أنفسكم أفلا تبصرون"، و قال الله تعالى {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} الآية...


إن كل شيء في هذا الوجود لدليل على قدرة الله وبديع صنعه،

وفي كل شيء له آية ***تدل على أنه واحد


كيف وقد أتقن الله كل شيء خلقَه وجعل هذا الكون يمشي بنظام دقيق وعظيم فلا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون! 


افتحوا الكتاب على "دلائل القدرة" وتأملوا وأنا أرتل هته الآيات الكريمات محاولين ربط ما فهمناه سابقا بما قصده الله تبارك وتعالى في هته الآيات من أحكام وعبر 


قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ فَالِقُ الْحَبِّ وَالنَّوَى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذَلِكُمُ اللَّهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ (95) فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (96) وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (97) وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ (98) وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنَا مِنْهُ خَضِرًا نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَرَاكِبًا وَمِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِهَا قِنْوَانٌ دَانِيَةٌ وَجَنَّاتٍ مِنْ أَعْنَابٍ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (99)}

الانعام 95-99


شرحت الآيات بإجمال مع استخلاص العبر والفوائد والحكم والفرائد..... 


انتهت الحلقة الأولى

وتليها الثانية إن شاء الله.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انا بالسعد موعودة بقلم الاستاذة شرين ابو عميرة

فاض البيان من صبري بقلم الاستاذ/ة ميسرة عليوة

شاطئ الغرام بقلم الاستاذ أحمد أبو حميدة