علة أبي بقلم الاستاذ صالح سعيد

 عِلَّةُ أَبِي 


عَيْناهُ زائغتَانِ يَشِعُّ مِنْهُمَا أمَلٌ ضَئِيل

هَلْ يَستعِدُّ إِلَى الرَّحِيل؟

لا يا أبي...أنت الأبيُّ

مكانك الجبل الحزيز 

مكانك أرض الجليل

أما عرفتني يا أبي؟

أما عرفت ذلك الطّفل الغرير يئنّ عندك كالعليل؟

أنا "صالح" يا أبي

أنت الذي سمّيتني.. أنت الذي دغدغتني

عانقتني ولثمتني وضَربتَني وضَربْتَ لي 

أنت الذي علّمتني عشْقَ الوجُود 

وحكيتَ لي عبَرَ الزّمان وأخبارَ هارون الرّشيد

في مقلتَيْك أنا أراك أراك نجما ولا سِواك،

أراك بَدرا أراك شمسا أراك ,ذيّاك العنيد أراك ذيّاك العتيد

أراك ذيّاك الذي في عٌتمَة اللّيل يسافر في الظّلام 

إلى هناك .... إلى حيث أدحية الحمام 

إلى هناك .... إلى شجر الزّيتون المعطّر بالسّلام 

لترشّه بالغمام انْظر مليّا يا أبي 

أما وعيْتَني يا أبي؟ 

أين صياحك في الصّباح لتَبثّ فينا شهوة اليوم الجديد؟

أين صهيلك في المساء وأنت تينع كالقدر 

لتعدّ ليلا مؤنسا أشهى ..كزخّات المطر ؟

لا يا أبي أنا بدونك لن أكون 

فاصبر قليلا حتّى ينْجليَ الظّلام 

ويرفرف النّور وتبقى أنتَ والسّلام.

......................

                                 أَبِي... وجه يعَربِد في. الشّهامةوالبسالة والكرامة، 

صوت البطولة والرّجولة في محيّاه غمامة، 

هذا الصّباح بِبيتنا المتواضع، سألت حمامة:

كان هنا ذاك النّدى.... أين اختفى؟ أتراه يرجع بالسّلامة؟

قال الحمار منهّقا: ماذا جرى؟ منذُ يومين تملّكني العماء

لم أر نجما منيرا. لم أر بدرا يشعّ في السّماء.

كلّ شيء غاب عنّي مذ تردّى "أحمد العربيّ" في حمّى الوباء 

قالت دجاجةٌ وهي تنبش التّراب: أحمد كان هنا.

يزرع قمحا،يعزق أرضا، يغرس ثمرا 

يأكل من زنده ويأوي اليتامى.

ويدوّي صوته فيردّد الفجر صداه

والكلب الرّابض تحت النّخلة الفيحاء

يبصبص بذنبه ويكابر: سيعود أحمدُ 

ويحبلُ الأرضَ عطاء.

....

....

هذا الصّباح ببيتنا المتواضع في شرق البلاد 

جاء عمّي يسأل: كيف تراه؟

أيعود للإبلال يا كبدي؟ 

أم ترى ضاع صداه؟

قال عمّي ذلك والدّمع يسري.

شهقة غصّ بها والحزن يكوي.

قلت: لا ... يا عمّي ... يا بعض أبي 

فيك ما فيه من اللّطف والمجد ومن دم عربيّ

لا تخف عمّاه.. لا تحزن ... كفْكِفْ دٌمٌوعَكَ .... والنّبيّ

سيظلّ أقوى من الوباء وسيصرع المرض الأبيّ. 


صالح سعيد/ تونس الخضراء

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انا بالسعد موعودة بقلم الاستاذة شرين ابو عميرة

فاض البيان من صبري بقلم الاستاذ/ة ميسرة عليوة

شاطئ الغرام بقلم الاستاذ أحمد أبو حميدة