لحاء الحب بقلم الاستاذ علي حسن

 لِحَاءُ الحُبّ


قالوا أما للحُب لِحاءُ قلتُ حاءُها

                  والبَاءُ منها داءُها ووَبَاءُها


ولِحاءُ كلّ خَريدَةٍ حَياءُها

           ف"بُح" لَها هو عَكسُها ودَواءُها


في البيتين ألغاز لغوية تحوي معانيَ صادقةً وواقعيةً... 

ففي البيت الأول تساؤل من الناس هل للحب لحاء ؟! 

أي غلاف يحميه ؟

إذ كثير من الناس يضيعون حبهم ولا يعرفون كيف يحافظون عليه. 

وذلك لأسباب كثيرة منها: 

العجلة والطيش وعدم المروءة و الحمق وكثرة اللوم في أمور تافهة والشكوك واللهفة المفرطة وغير ذلك ....


ولكن أقوى أسباب ضياع الحب وعدم الحفاظ عليه هو فساد النية الصادرة من رجل همه قضاء وطره وكفى.


ثم جاء الجواب "قلت حاءُها"... 


كلمة الحب تتكون من حرفين اثنين أولهما الحاء وهو من حروف الحلق المتصل بالقلب من الداخل والموصول إلى الفم من الخارج... 


الأصل في اللحاء غالبا مايكون مستغنى عنه كالقشور التي تحفظ اللب ، فكان الأولى القول هو لامُها أي الألف واللام التي للتعريف فهي دخيلة عن الكلمة ويمكن الاستغناء عنها ولكن إذا اتصلت كانت كالكلمة الواحدة، فعدلت عنها إلى الحاء لأنها من بنية الكلمة وتعبر عن الإخلاص والصدق ولا يمكن الاستغناء عنها وإلا فسدت الكلمة ، فأقوى سبب للحفاظ على الحب هو الصدق فيه وكونه يخرج من قلب صاف ومخلص !


فإن أي عمل لايبنى على الصدق كان مصيره الاضمحلال والزوال. 


ثم الباء مخرجها الفم وكأن الحب مصدره القلب ثم يخرج إلى الجوارح المعبرة عنه.... 


 

"والباء منها داءها ووباءها"


الباء ظاهرها المتبادر في الذهن هو الحرف الثاني ولكن المقصود منه هو معناه اللغوي 

فالباء هو النكاح والجماع.... وهو مفسد للحب

قال العرب قديما: إذا نكح ،الحبُ فسد


فالحب العفيف لا يكون إلا من الرجل الظريف الذي يمنعه دينه ورجولته أن يفسد حبه بالتعدي على محبوبه بالوطء... 


فهو داء الحب ووباء للأمراض وفساد في الأرض وتعدّ على الأعراض...... 


أما البيت الثاني فيتطرق إلى أهم صفة للمرأة عموما والمسلمة خصوصا ألا هي الحياء والعفة.


فالشيء الذي يصون أي امرأة هو اتصافها بالحياء ولهذا خصوها بوصف الخريدة .


والخريدة هي المرأة العفيفة العذراء التي لم تمس قط ولا تكون كذلك إلا إذا كانت حيية. 


وأصل كلمة خريدة هي اللؤلؤة التي لم تثقب بعد.


لهذا قلت: "ولحاء كل خريدة حياءُها". 


فالحياء هو لحاءها ولباسها وسترها ، لهذا نجد في القرآن الكريم أن الله وصف تلك المرأة في قصة موسى عليه الصلاة والسلام بأجمل ما تملكه كل امرأة فقال سبحانه : " فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيتَ لنا".

وهنا لطيفة لغوية تزيد المعنى بهاء ونقاء وذلك أن الجار والمجرور "على استحياء" متعلق إما بالفعل "تمشي " أي : تمشي على استحياء، وإما متعلق بالفعل "قالت " أي : قالت على استحياء. 

وكلا المتعلقين صحيح فيؤخذ منه أنها على استحياء في مشيها وفي قولها وفي جميع أحوالها. 

لهذا يجوز الوقف عند لفظ "على استحياء" ويجوز كذلك بدء القراءة مجددا من لفظ "على استحياء قالت" ثم تتوقف لتكون قراءتك مفسرة لمعاني القرآن الكريم. 


وفي قول أكثر المفسرين أن المرأة المذكورة هي التي اختارها موسى عليه الصلاة والسلام زوجة له أو بالأحرى التي اختارها الله له ، وما يختار الله لنبيه إلا الطيبة الحيية منهما فالطيبون للطيبات والطيبات للطيبين.  


والمناسبة بين البيتين أنه في البيت الأول ذكر لوازم بقاء الحب و موانعه المفسدة وذلك غالبا ما يختص بالرجل

أما البيت الثاني فيختص بالمرأة ، وما ينبغي لها أن تكون عليه من صفات الجمال والكمال حتى تصون عرضها وشرفها. 


وتلك الصفات هي التي يريدها الرجل العفيف الطيب فمتى صادف امرأة حيية الروح ارتاح قلبه لها بديهة لا تكلفا ، فالأرواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف. 


وبعد كل هذا جاء الشفاء والدواء لكل متحابين صادقين عفيفين يريدان خير الدنيا والآخرة ، فكما أن الباءَ بين المتحابين فيه الشقاء والوباء وبه يتقطع أواصر المحبة فإن الشفاء كل الشفاء فيه إذا كان بكلمة الله وبهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لم ير للمتحابَين مثلُ النكاح "

والفرق بين الباءين أن الأول فيه الفضيحة وضياع الشرف لهذا يتستر فيه أغلب البشر ، وأما الثاني فهو طريق الفضيلة والعفة وكمال البشر فهو نصف دين المرء. 

لهذا قلت: ف" بُح" لها هو عكسَها ودواءُها. 


أي أن كلمة بُح هي عكس كلمة حُب لفظا ولكن البوح وإعلان الزواج لجميع الناس هو الدواء الحقيقي لكل متحابين عفيفين حيين طيبين..... 


هذا ما باحت به نفسي ولاحت به قريحتي من دون تكلف بشرح البيتين، وإن رأيت فيه جرأة زائدة فغض الطرف وخذ ما ينفعك .


وسبحانك اللهم وبحمدك أ


شهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك....


بقلم: علي حسن بوجرمين

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

انا بالسعد موعودة بقلم الاستاذة شرين ابو عميرة

فاض البيان من صبري بقلم الاستاذ/ة ميسرة عليوة

شاطئ الغرام بقلم الاستاذ أحمد أبو حميدة